تعتبر زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا محطة هامة وتحولاً استراتيجياً في العلاقات الثنائية بين البلدين بعد فترة طويلة من التوتر والفتور تلك الزيارة التي تأتي بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحمل في طياتها الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية التي قد تسهم في إعادة رسم خريطة العلاقات بين مدينة القاهرة و مدينة أنقرة على أسس جديدة وأكثر تعاوناً وتكاملاً
وسائل الإعلام التركية عبرت عن اهتمام واسع بهذه الزيارة التي تعد الأولى من نوعها لرئيس مصري إلى تركيا منذ 12 عاماً حيث توقفت زيارات رؤساء مصر لتركيا منذ عام 2012 ومن المتوقع أن تمثل هذه الزيارة بداية جديدة في العلاقات بين البلدين اللذين تربطهما تاريخ طويل من التعاون والتنافس في آن واحد لكن يبدو أن الفترة المقبلة ستحمل مزيداً من التعاون والتنسيق خاصة في المجالات الاقتصادية والدفاعية
الزيارة تأتي في وقت حساس للغاية حيث تعاني المنطقة من تصاعد التوترات والصراعات خاصة في غزة والشرق الأوسط بشكل عام حيث تشير التقارير الإعلامية التركية إلى أن التنسيق حول قضية غزة سيكون على رأس أجندة المباحثات بين السيسي وإردوغان وسيتم التطرق إلى الهجمات الإسرائيلية المستمرة على القطاع والجهود المبذولة لزيادة المساعدات الإنسانية التي تقدمها تركيا عبر مصر إلى غزة إضافة إلى ذلك سيكون هناك تقييم للوضع في لبنان والتوترات المتزايدة في الشرق الأوسط ومحاولة البحث عن مواقف مشتركة تخدم استقرار المنطقة وتعزز من الأمن والسلام
ومن بين المحاور الهامة التي سيتناولها الرئيسان التعاون الاقتصادي حيث ينتظر أن تؤدي هذه الزيارة إلى تسريع وتيرة التعاون التجاري بين البلدين ويتوقع أن يتم توقيع ما يقرب من 20 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات متنوعة مثل الدفاع والطاقة والسياحة والصحة والتعليم والثقافة وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تعزيز حجم التجارة الثنائية بين مصر وتركيا ليصل إلى 15 مليار دولار في السنوات المقبلة بزيادة كبيرة عن المستوى الحالي الذي يقدر بحوالي 6 مليارات دولار كما أن هناك اهتماماً كبيراً بتطوير التعاون في مجال الطاقة خاصة الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والمتجددة
أما فيما يتعلق بالعلاقات الدفاعية فإن تركيا تولي اهتماماً كبيراً لتعزيز التعاون مع مصر في هذا المجال حيث تشير بعض التقارير إلى أن مصر مهتمة باقتناء الطائرات التركية المسلحة بدون طيار وهو ما قد يشكل نقطة تحول كبيرة في التعاون الدفاعي بين البلدين كما أن هناك تكثيفاً للاتصالات بين البلدين في هذا المجال منذ نهاية عام 2023 مما يعكس رغبة الجانبين في تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بشكل أكبر
وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية فقد شهدت العلاقات بين مصر وتركيا توتراً كبيراً بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 لكن الفترة الأخيرة شهدت محاولات جدية من الطرفين لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي حيث تأتي زيارة السيسي إلى تركيا في إطار هذه الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات بين البلدين وفتح صفحة جديدة من التعاون البناء الذي يخدم مصالح الطرفين
من ناحية أخرى تشير بعض التقارير إلى أن ملف جماعة الإخوان المسلمين لن يكون مطروحاً على طاولة المباحثات بين السيسي وإردوغان حيث يشير بعض المحللين إلى أن الانقسام الداخلي في الجماعة وعدم توحدها حالياً يجعل من الصعب على إردوغان التفاوض بشأنها مع السيسي كما أن هناك إدراكاً متزايداً بأن المرحلة الحالية تتطلب تركيزاً أكبر على قضايا التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي بدلاً من التركيز على ملفات الماضي التي قد تعيق هذا التعاون
بصفة عامة فإن زيارة السيسي إلى تركيا تمثل خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتفتح المجال لمزيد من التعاون في مجالات متعددة كما أنها قد تكون نقطة انطلاق جديدة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال تنسيق الجهود بين دولتين رئيسيتين في الشرق الأوسط كما أن هذه الزيارة تعكس رغبة الجانبين في تجاوز الخلافات السابقة والبدء في مرحلة جديدة من العلاقات المبنية على المصالح المشتركة